سبب ارتفاع الطلب على مغيّري المسار المهني في ألمانيا
سبب ارتفاع الطلب على مغيّري المسار المهني في ألمانيا.
يشهد سوق العمل في ألمانيا تغيّرات ملحوظة في الآونة الأخيرة، إذ بدأت الشركات تُظهر انفتاحاً متزايداً تجاه الأفراد الذين قرروا تغيير مسارهم المهني، حتى في حال عدم امتلاكهم لخلفية تقليدية في مجالاتهم الجديدة.
وتبيّن وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد Appinio بالتعاون مع شبكة Xing للتوظيف، أن 65% من مديري الموارد البشرية في ألمانيا باتوا يعتبرون توظيف هذه الفئة وسيلة فعّالة لتعزيز الابتكار داخل مؤسساتهم، بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز 43% في العام السابق، ما يشير إلى تحوّل واضح في طريقة تفكير الشركات تجاه التنوع المهني والخبرات المختلفة.
كما أظهرت الدراسة أن 61% من خبراء الموارد البشرية يرون في هؤلاء الموظفين حلاً أساسياً لمشكلة نقص اليد العاملة الماهرة، وهي من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد في الوقت الحالي.

من هم مغيّرو المسار المهني؟ ولماذا يتزايد الطلب عليهم؟
يُطلق مصطلح “Quereinsteiger” في اللغة الألمانية على الشخص الذي يغيّر مساره المهني، أي الذي ينتقل إلى مجال عمل جديد دون مؤهلات تقليدية في ذلك التخصص، لكنه يُضيف قيمة من خلال نقل مهاراته وخبراته من قطاعات أخرى.
ومع استمرار النقص في الكفاءات داخل قطاعات حيوية عديدة، باتت الشركات الألمانية أكثر تقبّلاً لهذه الفئة، خاصة أولئك الذين يمتلكون قدرات عالية على التكيّف والتفكير الإبداعي وحلّ المشكلات، وهي مهارات أصبحت لا تقل أهمية عن المؤهلات الأكاديمية.
القطاعات الأكثر ترحيباً بمغيّري المسار
بحسب فولفرام تروغر، نائب رئيس الرابطة الفيدرالية لمستشاري الإدارة الألمان (BDU)، فإن القطاعات المتنامية هي الأكثر استعداداً لاستقبال مغيّري المسار، وتشمل:
- المبيعات والخدمات اللوجستية والنقل، التي تواجه نقصاً كبيراً في الأيدي العاملة.
- قطاع التعليم والرعاية الصحية، الذي يشهد زيادة في الطلب نتيجة تقاعد أعداد كبيرة من العاملين.
- شركات التكنولوجيا والدفاع، مثل راينميتال، التي بدأت في استقطاب كفاءات من مجالات أخرى كصناعة السيارات.
أما القطاعات المتخصصة جداً كالهندسة الدقيقة أو الطب، فما تزال أقل انفتاحاً نظراً لطبيعة تدريبها الطويل ومتطلباتها المهنية الصارمة.

دوافع الأفراد لتغيير المسار المهني
يتجه العديد من الألمان إلى تغيير مساراتهم المهنية لأسباب متعددة، منها:
- الرغبة في عمل أكثر إشباعاً ومعنى.
- السعي إلى تحقيق توازن أفضل بين الحياة والعمل.
- أو ببساطة الرغبة في كسر الجمود المهني والانتقال إلى تجربة جديدة.
وتُظهر الإحصاءات أن جيل الشباب، ولا سيما جيل “Z”، أكثر انفتاحاً على هذه الفكرة، إذ يفكر نصفهم تقريباً في تغيير مجالاتهم، فيما أقدم واحد من كل خمسة منهم على تنفيذ ذلك بالفعل.

أهمية الظاهرة في ظل التحديات الاقتصادية
مع تباطؤ بعض القطاعات الصناعية وتراجع فرص العمل في أخرى، باتت المرونة المهنية ضرورة في سوق العمل الألماني.
ووفقاً لتقرير معهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية، تخطط نحو 36% من الشركات الألمانية لتقليص عدد الوظائف خلال العام المقبل، مما يجعل القدرة على نقل المهارات وتطبيقها في مجالات مختلفة عاملاً أساسياً للبقاء والتطور المهني.
ويرى أصحاب العمل أن مغيّري المسار المهني يجلبون أفكاراً مبتكرة وحلولاً غير تقليدية، مما يساعد مؤسساتهم على مواكبة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية السريعة.
إنّ الطلب المتزايد على مغيّري المسار المهني في ألمانيا لا يُعدّ مجرد ظاهرة مؤقتة، بل هو تحوّل عميق في مفهوم سوق العمل.
فالشركات اليوم لم تعد تبحث فقط عن أصحاب الشهادات، بل عن الأفراد القادرين على التعلّم المستمر، التكيّف، والإبداع في بيئات متغيرة.
ولهذا، أصبح هؤلاء الذين يغيّرون مساراتهم المهنية يمثلون رمزاً للمرونة والحيوية في سوق العمل الألماني، في زمن تتبدل فيه الوظائف والتخصصات بوتيرة لم يشهدها العالم من قبل.



